حاتم الطائي والضيف الأعرابي
في قديم الزمان، كان هناك رجل يُدعى حاتم الطائي، وهو من قبيلة طيء التي اشتهرت بالكرم والجود. كان حاتم مضرب المثل في الكرم، ولم يُذكر الكرم عند العرب إلا وذكر معه اسمه، ورغم فقره أحيانًا، كان يحرص على إكرام الضيف والمحتاج، ولا يرد أي سائل حتى وإن لم يكن لديه الكثير.
وفي إحدى الليالي، وبينما كان حاتم في خيمته مع زوجته وأولاده، إذ جاءه ضيف أعرابي، كان الليل شديد البرودة، والسماء ملبدة بالغيوم، ولم يكن في بيت حاتم ما يكفي من الطعام لإطعام الجميع، بما في ذلك ضيفه. نظر حاتم في حاله، ورأى أن الوقت عصيب والليل قد حل، ولا سبيل إلى طلب الطعام من الجيران.
فما كان منه إلا أن نظر إلى فرسه الذي كان من أفضل الخيول التي يملكها، وأحبها إليه، حيث كان يستخدمها في الحروب والسباقات. قرر حاتم في نفسه أن يذبح الفرس ويطعم منها ضيفه، فهو لا يريد أن يكون عكس ما عرف به بين القبائل من الكرم.
طلب من زوجته أن تجهز الحطب وأن تعد أدوات الطهي، ثم أخذ الفرس وذبحها. عندما رأت زوجته ذلك، شعرت بالحزن لأن الفرس كان عزيزعليهما، لكنها لم تعترض، فقد كانت تعلم قيمة الضيافة عند العرب. قام حاتم بإعداد اللحم وشوى منه وقدمه لضيفه، وظل يسهر على راحته طوال الليل، يتحدث معه ويقدم له كل ما يحتاج إليه.
بعد أن انتهى الضيف من تناول الطعام واحتساء القهوة، شعر براحة كبيرة وقال لحاتم: والله ما رأيت كرمًا مثل كرمك، يا حاتم. لقد كنت جائعًا ومتعبًا، وأنت أنقذتني من الجوع وأكرمتني، فجزاك الله خيرًا.
حينما حل الصباح، كان الضيف على وشك الرحيل، ولكنه قبل أن يغادر سأل حاتم: يا حاتم، بالله عليك، أخبرني، من أين أتيت بهذا اللحم الشهي؟ فهو ليس كأي لحم آخر ذقته من قبل.
ابتسم حاتم وأجاب بهدوء: لقد ذبحت لك فرسي يا أخي، فقد كنت أرى أنك تستحق أفضل ما لدي.
فوجئ الأعرابي وقال له بدهشة: يا حاتم، ذبحت فرسك من أجلي؟ كيف تفعل ذلك، وأنت تعلم أن الفرس جزء من عزك وقوتك؟
أجابه حاتم بحكمة قائلاً: يا أخي، نحن العرب، لا نكرم ضيوفنا بما هو قليل أو رديء، إنما نقدم لهم أغلى ما نملك. فالكرم لا يكون حقيقيًا إلا عندما تخرج من أعماق قلبك وتعطي مما تحب.
تأثر الأعرابي بكلام حاتم، وشكره بحرارة، ثم انصرف عائدًا إلى دياره. وبعد مدة، انتشر خبر ما فعله حاتم الطائي في قبائل العرب، وأصبح مضرب مثل في الكرم والشهامة.
وفي يوم من الأيام، جاء أحد ملوك الفرس إلى جزيرة العرب، وسمع بما يُقال عن حاتم الطائي وكرمه، فقرر أن يختبره بنفسه. فبعث رسولاً إليه يطلب ضيافته. عندما وصل الرسول إلى خيمة حاتم، استقبله كضيف عزيز وقدم له الطعام والشراب، رغم أن حال حاتم لم يكن بأفضل مما كان عليه حين استضاف الأعرابي.
بعد أن غادر الرسول وعاد إلى ملك الفرس، قال له الملك: ماذا رأيت عند حاتم؟ فأجابه الرسول: يا مولاي، لقد رأيت رجلاً لا يملك شيئًا إلا كرمًا لا حدود له. إنه رجل يعطي مما لا يملك، ويكرم ضيفه كما لو كان يملك أغلي الكنوز.
فاندهش الملك وقال: حقًا، إنه رجل عظيم يستحق الاحترام. الكرم لا يُقاس بالثروة، بل بما يحمله القلب من جود ونقاء.
ومنذ ذلك الحين، أصبح اسم حاتم الطائي مرادفًا للكرم والشهامة في جميع أنحاء الجزيرة العربية، بل وحتى في الممالك البعيدة. وظلت قصته تُروى عبر الأجيال كرمز للكرم العربي الأصيل، الذي لا يبالي بما يملك بقدر ما يبالي برضا الضيف وإكرامه.
هذه القصة تُبرز القيم الأخلاقية التي كانت يعتز بها البدو العرب، حيث كانت الضيافة من أعظم الفضائل، وكانت تعتبر من علامات الشرف والكرامة في المجتمع العربي القديم.
إرسال تعليق